الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية
تأليف : د. علي عبدالعزيز إبراهيم المطرودي
مجلد ١٠٧٢ صفحة
الطبعة الأولى :1437
الناشر : دار ابن الجوزي ..الجمعية الفقهية السعودية
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
1- أنه متعلق بالأحكام التكليفيَّة التي يُعَدُّ الوصول إليها أهمَّ فوائد علم أصول الفقه.
2- أنَّ هذا الموضوع يُعين المجتهد على معرفة الطرق والأساليب الشرعية التي يُمكن الاستناد إليها في إثبات الأحكام التكليفيَّة،
ومن ثم يسهل عليه معرفة الحكم الشرعي المطلوب من دليله.
3- أن فيه سدَّ ثغرة مهمة في أصول الفقه، تتمثَّل في اقتصار أكثر الكتب المؤلفة فيه على الأساليب والصيغ الظاهرة،
كدلالة الأمر الصريح على الوجوب، والنَّهي الصريح على التحريم.
4- أنَّ دراسة هذا الموضوع تَحتاج إلى نظر واستقصاء لكثير من الأدلة الشرعيَّة، واطِّلاعٍ على تفاسير القرآن الكريم، وشروح السنة؛
مِمَّا يعود نفعه وأثره على الباحث.
5- أنني لم أطَّلع على دراسة شاملة في هذا الموضوع تجلي كل أسلوب على حدة، وتمثل له من الأدلة الشرعية.
أهداف الموضوع:
1- حصر الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية، وتوضيحها من خلال ضرب الأمثلة عليها من الكتاب والسنة.
2- بَحث دلالة هذه الأساليب والتطبيق عليها بذكر عدد من الفروع الفقهيَّة المتأثرة بكل واحد منها على حِدَة.
3- تكميل جانب النَّقص الموجود في المكتبة الأصولية فيما يتعلَّق بأساليبِ الشارع الدالة على الأحكام التكليفية.
أبرز صعوبات البحث:
لم يخرج هذا البحث إلى النور إلاَّ بعد مكابدة عددٍ من الصُّعوبات، لعل من أبرزها ما يأتي:
1- كثرة الأساليب الشرعيَّة التي تدخل ضمن موضوع الرِّسالة؛ مِمَّا جعل محاولة حصرها من الأمور التي تَحتاج إلى جهد وعناء.
2- قلة المادة العلمية في بعض المسائل؛ مِمَّا يَحتاج معه إلى مضاعفة الجهد في البحث والتنقيب عن كلام للعلماء حولها.
3- حاجة البحث إلى مصادر متنوعة في الأصول، والتفسير، والحديث، والفقه، واللغة، وغيرها،
وهذا يَجعل الباحث ينتقل من علم لآخر في وقت واحد، وعناء ذلك لا يَخفى.
من نتائج هذا البحث ما يأتي:
1- أنَّ الأحكام التكليفية لها أساليبُ متنوعة وكثيرة، ولا ينحصر دركها من صريح الأمر والنهي.
2- أنَّ الشارع الحكيم حينما يشتد اهتمامه بالحكم يعرضه بأساليبَ مُتعددة، ومتنوعة، ويبرز ذلك واضحًا في تتبُّع أركان الإسلام، والنظر في أساليبها المتنوعة من الأمر بها، وفرضها، وكتبها، والتهديد على تركها، والترغيب في فعلها، ونحو ذلك مما تم عرضه في أثناء البحث.
3- أنَّ كثيرًا من الأساليب الشرعية يكون لها دلالة مُحدَّدة أصالةً، لكن هذه الدلالة قد تتغير حسب القرائن.
4- أنَّ بعض الأدلة الشرعية يُمكن أن يفهم منها الحكم التكليفي من عدة أوجه، فمثلاً قوله – تعالى -: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 26 – 27].
هاتان الآيتان دلَّتا على تحريم نقضِ العهد وما ذكر بعده من ثلاثة وجوه هي:
أ- أنَّ الله – تعالى – جعل ذلك صفة من صفات الفاسقين.
ب- أنَّ الله – تعالى – يذكر على وجه الذم.
ج- أنه – تعالى – حكم على فاعله بالخسران.
هـ- أنَّ العلماء يَختلفون كثيرًا فيما بينهم في صلاحية القرينة لصرف الأسلوب عن دلالته الأصليَّة،
ومن ثم يَختلفون في الحكم الذي تضمنه الأسلوب.
6- أنَّ الأساليب تَختلف في قوة دلالتها على الحكم، فبعضها أقوى من بعض، ومعرفة درجاتها مُهِم للمجتهد؛ إذ إنَّ انصراف الأسلوب عن دلالته الأصلية يعتمد على قوته وقوة قرينته الصارفة، فما كان قويًّا في الدلالة ينبغي أن تكون قرينته الصارفة كذلك، وما كانت دلالته أضعف، فإنه يُصرف بالقرينة حتى وإن كانت ضعيفة.
وعلى هذا، فإنَّ الدلائل القوية الصريحة لا تصرف بالقرائن الضَّعيفة المتوهمة.
7- أنَّ كل حكم تكليفي يُمكن أن يؤخذ منه حكم ما يناقضه ويقابله، فالواجب تركه محرَّم، والمندوب تركه مكروه، والمحرم تركه واجب، والمكروه تركه مندوب، والمباح يستوي طرفاه عند تجريد النظر إليه.
8- أن بعض العلماء – وخاصة الظاهرية – يتشددون في حمل الأدلة على ظاهرها، ولا يصرفونها إلا بقرائن نقليَّة، بينما يصرف الجمهور من الأئمة الأربعة وأتباعهم الأدلة بالقرائن النقلية والعقلية.
9- أن القرائن الصارفة منها ما هو عام بمثابة القواعد يشمل كثيرًا من الأوامر والنَّواهي، ومنها ما هو خاص بأمر، أو نهي معين.
وأمَّا العام فهو أن يكون الأمر أو النهي في باب الآداب ومكارم الأخلاق، أو متعلقًا بمصلحة دنيوية، أو أخروية، أو نحو ذلك.
10- أن القرائن الصارفة ليست على وزان واحد في قوتها، ولذا يَجب التمعن فيها، وفي مدى صلاحيتها لصرف الدليل؛ وذلك لأنَّ الأصل في الدليل ظاهرُه، فلا يعدل عن ذلك إلا إذا وجدت القرينة المناسبة للصرف، والمسلم معذور في تَمسكه بالدليل، وليس معذورًا بتلقف ما بدا له من قرائن حتى وإن كانت ضعيفة.
11- أن العلماء متفقون على مبدأ الأخذ بالقرائن، وصرف الأدلة بها، وإنَّما خلافهم فيما يقبل منها تفصيلاً.
12- أن للأمر والنهي صيغة في اللغة تدل عليهما دون الحاجة إلى القرائن، وهي “افعل” وما أُلحق بها في الأمر، و”لا تفعل” وما أُلحق بها في النهي.
13- أن صيغةَ الأمر والنهي إذا احتفت بها قرينة صارفة، فإنه يصار إليها بلا نزاع، بشرط أن تكون من القرائن الصحيحة المقبولة.
14- أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن يترجَّح في دلالتها القول بالوجوب.
15- أن صيغة النهي المجردة عن القرائن يترجَّح في دلالتها القول بالتحريم.
16- أنَّ الأمر بالشيء وجوبًا يقتضي تحريم نقيضه – جميع أضداده – أمَّا الأمر به ندبًا، فيقتضي كراهة ذلك فقط.
17- أن النهي عن الشيء تحريمًا يوجب نقيضه بلا خلاف.
18- أنَّ النهي عن الشيء تحريمًا يُوجب ضدَّه إذا لم يكن له سوى ضد واحد بلا خلاف، أمَّا إذا تعددت أضداده،
فإنَّه يوجب أحدها بلا تعيين على القول الراجح.
أمَّا نَهي الكراهة، فيقتضي ندب ضده إذا لم يكن له سوى ضد واحد، فإن تعددت أضداده، اقتضى ندب أحدها بلا تعيين.
19- أنَّ قرينة الأمر بعد الحظر حسب ما ترجح لا تكفي في صرف الأمر عن مقتضاه الأصلي، بل لا بُدَّ من انضمام قرينة أخرى معها،
ككون الأمر بعد الحظر متعلقًا بمصلحة دنيوية عادية فيفيد الإباحة.
أو يكون متعلقًا بمصلحة دُنيوية فيها احتياط وتوثيق فيفيد النَّدب، أو يكون متعلقًا بمصلحة أخروية،
ومن ثم يكون دائرًا بين الوجوب والندب، والمتيقن هو الندب.
20- أنَّ قرينة الأمر بعد الاستئذان أو السؤال حسب ما ترجح لا تكفي في صرف الأمر عن مقتضاه الأصلي،
لا بُدَّ من انضمام قرينة أخرى معها، ككون الأمر بعد الاستئذان أو السؤال متعلقًا بمصلحة دُنيوية قاصرة، فيفيد الإباحة.
أمَّا إذا تعلق بمصلحة أخروية، أو دُنيوية متعدية، فإنه يكون دائرًا بين الوجوب والندب، والنَّدب هو المتيقن.
21- أن قرينة ورود الأمر والنهي في باب الآداب لا تعدُّ من القرائن الصالحة لصرف الأمر والنهي عن مقتضاهما الأصلي،
ما لم يسندها قرينة أخرى، فهي إذًا من القرائن الضعيفة التي لا يُمكن التعويل عليه استقلالاً.
22- أن قرينة تعلق الأمر بمصلحة دنيوية عادية قاصرة تصرف الأمر عن مقتضاه الأصلي إلى الإباحة.
أمَّا إذا كانت هذه المصلحة القاصرة فيها توثيق واحتياط من الإنسان لنفسه، فإنَّها تصرف الأمر عن الوجوب،
لكن هل يكون مندوبًا، أو مباحًا؟ في ذلك خلاف، والندب هو المترجح.
أمَّا إذا كانت المصلحة الدنيوية متعدية، فالراجح أنَّها لا تصلح مستندًا لصرف الأمر عن مقتضاه استقلالاً.
23- أنَّ قرينة تعليق الأمر على مشيئة المكلف تصرف الأمر عن مقتضاه الأصلي وهو الوجوب، لكنَّها لا تُحدد المراد به أيكون الندب، أم الإباحة؟
إلا إذا احتفَّ بها قرينة أخرى، وقد اتَّضح أن الأوامر في هذا الباب إن كانت متعلقة بعبادة، فهي دالة على الندب،
وإن تعلقت بغير ذلك دَلَّت على الإباحة.
24- أن الأمرَ بأحد شيئين أو أكثر على سبيل التخيير يدُلُّ على إباحة فعل أمر من الأمور المخيَّر فيها دون تعيين.
25- أنَّ قرينة ورود النَّهي بعد الأمر، والإباحة، والاستئذان – لا تصلح لصرف النَّدب عن مُقتضاه الأصلي.
26- أن النهي إذا ورد في باب المصالح الدُّنيوية، فإنَّه يُحمل على الكراهة.
27- مما يستفاد منه الوجوب في أدلة الشارع ما يأتي:
صيغة الأمر المجردة عن القرائن، والدُّعاء على تارك الفعل، والإنكار بسبب ترك الفعل،
والاستفهام بمعنى الأمر، والتعبير بلفظ “الفرض”، و”الوجوب”، و”الكتب”، و”الأمر” و”القضاء”، وما تصرف منها.
وكذا يستفاد وجوب الشيء من نفي الفعل الذي هو فيه من أجل فقده، وكذا نفي قبوله أو نفي إجزائه لأجل هذا المفقود.
ومما يدُلُّ على الوجوب أيضًا: نفي الإيمان بسبب عدم الفعل، والجملة الخبرية الدالة على الأمر،
والتعبير بلفظ “على”، ولفظ “العزيمة”، وكذا التعبير عن العبادة بمشروعية فيها، فإنَّ ذلك دالٌّ على وجوبه.
28- مما يستفاد منه الندب في أدلة الشارع ما يأتي:
الاستفهام الدال على الحض والترغيب، وكذا صيغة التحضيض نفسها، والتعبير بلفظ (الندب)، ولفظ “الاستحباب”، ولفظ “التطوع”، ولفظ “النافلة”، ولفظ “الفضيلة”، وما تصرف منها، ومن الاستثناء من الواجب، ومن فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا ظهر منه قصد القُربة، كذا من وصف الفعل: بأنه خير، أو أفضل، ومن كون الفعل وسيلة لمندوب.
29- مما يستفاد منه التحريم في أدلة الشارع ما يأتي:
صيغة النَّهي إذا تجردت عن القرائن، والأمر بترك الفعل، ونَهي الأنبياء عن الأسى والحزن على الفاعل، ونهيهم كذلك عن الدُّعاء له، والأمر بالتولي والإعراض عنه، والدعاء عليه، واستعاذة الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – من الفعل، وكذا إنكار الشارع على الفاعل بسبب فعله، والأمر إذا قُصد به التهديد، والنهي بعد الأمر وبعد الإباحة وبعد الاستئذان.
المراجعات
لا توجد مراجعات حتى الآن.