صيد الخاطر
المؤلف: أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي (ت 597 هـ)
تحقيق : عامر بن علي ياسين
تاريخ النشر: طبعة 2021
الناشر: دار ابن الجوزي السعودية
عدد الصفحات:مجلد 631صفحة
مثل هذا الكتاب
عصارة ممتازة لفكر ابن الجوزي وتجربته في الحياة، فقد ألفه في مرحلة متأخرة من عمره، بعد أن كان قد خبر الحياة وجرّبها،
وخبر العلم ومارسه طالباً وأستاذاً وواعظاً، ومارس التصنيف في فنونه المتنوعة، وخالط أصناف الناس عاليها وسافلها،
وعرف كيف يتعامل مع هذا وذاك. إذاً، فالقارئ في هذا الكتاب مع سياحة فكرية عميقة. تنتظم جوانب الحياة جميعاً،
وكأنما هي خرزات مختلفة الأشكال في عقد، صاغته يد صائغ ما هو مجرب ذواق، فخرج مبهجاً للنفوس والأبصار
وقد استغرق الإمام ابن الجوزي في تأليف هذا الكتاب مدة طويلة تربو على العشرين عاماً. وذلك شأن كتب الخواطر،
إذ أن الكاتب قام بتسجيل خواطره وآرائه في الأحداث اليومية التي عاصرها، شيئاً بعد شيء.
أما أسلوب ابن الجوزي فإنه من البدهي في كتاب صنفه صاحبه بعد هذه الخبرة والدّربة في البحث والتصنيف،
ليعبر عن خواطر سنحت له، وتجارب أفاد منها، وخبرات أراد أن يقدمها، من البدهي أن تأتي هذه الخواطر في أسلوب سهل ميسور،
وعبارة شائقة رائقة، وألفاظ منتقاة معبّرة، أو ما يطلق عليه البلغاء “السهل الممتنع”.
فقارئ هذا الكتاب يعيش عمق الخواطر وشفافيتها، دون أن يصدمه غموض، أو تصادفه ألغاز، أو تقابله اصطلاحات تصعب على الإفهام.
والكنايات والإشارات التي استعملها ابن الجوزي في خواطره تأتي في مواضعها واضحة قوية،
لا تخرب على القارئ الفطن، ولا تصعب على القارئ اللبيب، لها مما قبلها وما بعدها نور يكشفها ويجليها،
فيجعلها في بعدها البلاغي وقوتها التعبيرية قديمة من ذهن القارئ وقلبه. وإجمالاً،
فهذه الخواطر تعبر عما في النفس في أسلوب سهل، لكن ليس لأحد صياغتها في مستوى بلاغي كالذي صاغها به ابن الجوزي.
نقول من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي |
الشيخ محمد الحمد |
فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب، ممن يأنف النظر إليه.
وهو معنى قوله – تعالى – ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) [ النساء 123].
فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل. وأسرع المعاصي عقوبةً ماخلا عن لذة تنسي النهى، فتكون كالمعاندة، والمبارزة، فإن كانت اعتراضاً على الخالق، أو منازعة له في عظمته، فتلك التي لا تُتلافى، خصوصا ً إذا وقعت من عارف بالله؛ فإنه يندر إهماله.
فكلما أصبح وأمسى معافى زاد الاغترار، وطال الأمل.
أن الإنسان يخفي مالا ير ضاه الله – عز وجل – فيظهره الله – سبحانه – عليه، ولو بعد حين، وينطق به الألسنة وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق؛ فيكون جوابا ً لكل ما أخفى من الذنوب؛ وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل، ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب، ولا استتار، ولا يضاع لديه عمل.
حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن؛ ليعلم أن هنالك رباً لا يُضِيع عَملَ عاملٍ، وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص، وتحبه، أو تأباه، وتذمه، أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه وبين الله – تعالى – فإنه يكفيه كل هم، ويدفع عنه كل شر.
أو رجاء لثوابه، أو إجلالاً له؛ فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، ولا يدرون أين هو. يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود. لبعدهم عن حقيقة معرفته. ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره، وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً. وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريح الكراهة؛ فتمقته القلوب؛ فإن قل مقدار ما جن قل ذكر الألسن له بالخير وبقي مجرد تعظيمه وإن كثر كان قصارى الأجر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.
فهان عند الخلق، وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه، وقوة مجاهدته. فعظم الله قدره في القلوب، حتى عَلِقَتْهُ ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير. ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام، وإذا زاغ مال عنه اللطف. غير أنه في الأغلب تأديب، أو تلطف في العقاب.
كيف يكون ذليلاً؛ لأنه قُهِرَ، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهَر.
وصابر عطش الهوى في هجر المشتهى، وإن أمض وأرمض. |
المراجعات
لا توجد مراجعات حتى الآن.