0 Days
0 Hours
0 Mins
0 Secs
تخفيض 15% بمناسبة الإفتتاح
من فضلك قم بتفعيل المقارنة.

لا يوجد منتجات في سلة التسوق.

القاهرة 1921.. قصة الأيام العشرة التي شكَّلت الشرق الأوسط

القاهرة 1921.. قصة الأيام العشرة التي شكَّلت الشرق الأوسط

في الأوراق المالية

فئات: العلامة التجارية:

القاهرة 1921.. قصة الأيام العشرة التي شكَّلت الشرق الأوسط

تأليف: سي. براد فوت
نقله إلى العربية: أحمد العَبدة
في مارس/آذار من عام ١٩٢١ انطلق مؤتمر القاهرة، الذي دعا إليه وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل،
لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية.
لم يكن لمؤتمر آخر مثل هذا التأثير الحاسم على المنطقة؛ إذ انتهى إلى إنشاء دولتي العراق والأردن،
والتأكيد على تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
في هذا الكتاب يبيّن سي. براد فوت، أستاذ التاريخ العالمي بجامعة تنديل الكندية، كيف أن هذا المؤتمر،
على الرغم من سيطرة البريطانيين عليه، ومحدودية ما حظي به أهل البلاد محل التقسيم من مشاركة في مداولاته،
كان محاولة طموحة، وإن لم تفلح في نهاية المطاف، لنقل الشرق الأوسط إلى عالم القومية الحديثة،
في إطار الحفاظ على السِّمة الإمبراطورية للنظام العالمي. ويكشف فوت أن العديد من المسؤولين،
وفيهم توماس لورنس الشهير وغيرترود بيل، كانوا مدفوعين بالإصرار على إنجاح تجربة بناء الدولة في المنطقة.
وكان من شأن تحيزاتهم، وما استطاعوا تحقيقه، أن يغير الشرق الأوسط تغييرًا عميقًا لعقود تالية.
كتب أحمد دياب
تناول الكتاب مرحلة تقاسم الغنائم بين القوى الاستعمارية بعد سقوط الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى،

وذلك من خلال مؤتمر “الأربعين حرامي” الذي عُقد في القاهرة عام 1921.

كان هذا المؤتمر بدعوة من وزير المستعمرات البريطاني، وينستون تشرشل، عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919،

حيث سعى البريطانيون إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالحهم.
يناقش الكتاب محاولات بريطانيا التوفيق بين وعودها المتناقضة، مثل دعمها لفكرة الحكم الذاتي للعرب من جهة،

وتأييدها لوعد بلفور الذي أسس لوجود الكيان الصهيوني في فلسطين من جهة أخرى.

كما يستعرض الكتاب تطبيق مفهوم “الحل الشريفي” لملء الفراغ الذي خلّفه انهيار الدولة العثمانية،

وهو ما أدى إلى تأسيس دولتي العراق والأردن.
في المجمل، يقدم الكتاب شهادة تاريخية عن الأحداث التي سبقت المؤتمر وأثناء انعقاده،
مما يساعد على فهم رؤية الاستعمار البريطاني للمنطقة، والأساليب التي استخدمها لضمان استمرار نفوذه ومصالحه فيها.
كتب  مؤمن توحيد
فكرة الكتاب مهمة ببحث تفاصيل الآراء والاتجاهات حول مؤتمر القاهرة 1921 والحل الشريفي بنقل ورصد الأراء والتعليقات
حينها بين المشاركين لملأ الفراغ الذي يتجاوزه أغلب المحللين بالتنظير بأثر رجعي أنه كان مجرد صورة للإلهاء وتفاصيله غير جادة.

وتظهر المشكلة الأكبر في وهم التصور البريطاني وعلى رأسه تشرشل بإمكانية الوصول لحل وسط بين التنسيق

في الانتداب بين الانجليز والفرنساويين بموجب سايكس بيكو واتفاقات الشريف حسين مع ماكمان
وتنفيذ وعد بلفور بدولة قومية لليهود على أرض فلسطين، وأن يخرج ذلك كله بدول قومية جديدة مستقلة وناجحة وقادرة على التعاون
معًا في تسوية الصراعات والعنف وتعاون هذه السلطة مع الأوروبيين لاستمرار مصالح الانجليز في المنطقة.

وظهر مجهود الاطلاع الكثيف للكاتب بين المحادثات والأرشيف والصحف، في مجهود يشبه الصحافة الاستقصائية الجادة

لكن لم يستطع تنظيم ذلك على نحو سلس
ففي غضون 200 صفحة كرر نفسه كثيرًا، ولم يلتزم مثلًا بخط زمني أو خط تطور للكيانات التي يحكي عنها أو تتبع للشخصيات
إنما الكثير من الإحالات والتضمينات للحوارات الثنائية ومحاضر الاجتماعات بإضافة بسيطة من موقع لآخر وتطور ضعيف للأفكار والأراء
ودفاع غريب عن منطق البريطانيين وقتها فجاءت المحصلة النهائية محدودة بعض الشيء.

لكنه مفيد ويفتح كثير من النقاشات لمن يملك معرفة مسبقة بتاريخ الشرق الأوسط الحديث.

كتب محمد عبدالعزيز الهجين

لفت نظري كتاب بعنوان “القاهرة 1921: قصة الأيام العشرة التي شكَّلت الشرق الأوسط”

، فقد استفزني سؤال الكتاب والرغبة بالتعرف على الأيام التي شكَّلت الشرق الأوسط.

السؤال المهم: لماذا عُقد مؤتمر ضم أهم خبراء الشرق الأوسط في القاهرة؟

المؤتمر يمثل لحظة فاصلة في التاريخ السياسي الحديث، فقد دعا إليه وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل،

في أعقاب مؤتمر السلام بباريس عام 1919، ونظيره الذي عُقد في عام 1920 في سان ريمو بإيطاليا،

ومع إتاحة الأوراق الخاصة بالمشاركين في المؤتمر، خصوصًا أوراق “تشرشل” وأوراق “جيرترود بيل” للدراسة،

رأى المؤرخ سي. برادفوت وجود فرصة للتغلغل عميقًا في مجريات المؤتمر ونتائجه،

وهكذا سبر المؤلف المؤتمر سبرًا شاملًا حتى يفهم جزءًا من التاريخ الدبلوماسي لحقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

لقد عُقد المؤتمر للنظر في المستقبل السياسي للبلاد العربية بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصًا العراق والأردن وفلسطين،

ولمتابعة التوفيق بين تناقضات كانت تمر بها الإدارة البريطانية في سيطرتها على المشرق العربي،

وهي التزام وعد بلفور، ومعاهدة سايكس- بيكو، والوفاء بوعودها للعرب عندما تحالفوا مع بريطانيا في الثورة العربية ضد الدولة العثمانية.

وحين استغرقتُ في قراءة الكتاب استمتعت بطريقة المؤلف في حكاية قصة المؤتمر،

إذ مهَّد لما سبقه من حوادث تاريخية وما ترتب عليه من نتائج سياسية، خصوصًا مع سلاسة الترجمة ودقة الهوامش.

فقد اهتممت في الأعوام الأخيرة بالشخصيات التاريخية من بريطانيا وأوروبا التي قدِمت إلى البلاد العربية وفُتنت بالصحراء العربية،

وعاشت وتجولت بين العرب وأسهمت في صياغة تاريخ المنطقة، رجال من طبقة تي إي لورنس، المعروف بـ”لورنس العرب”،

و”جون فيلبي” و”جلوب باشا” و”بيرسي كوكس” والخانوم “جيرترود بيل” و”محمد أسد” و”ألنبي”،

بل إنهم أصبحوا خبراء في المنطقة، وقد اهتممت بهذه الفئة منذ سنوات،

وأخذت أتعرف على حيواتهم بين ظهراني العرب، لقد قطعوا الفيافي والبراري على ظهور الخيل والإبل.

وكثير من هؤلاء الأشخاص هم أبطال كتاب القاهرة.

من ضيق التاريخ المصري إلى تاريخ العرب

الأمر الآخر الذي لفت نظري، أنني منذ اهتمامي بسِيَر هؤلاء المفتونين بالصحراء،

اكتشفت من خلالهم تاريخ المنطقة العربية في الجزيرة وبلاد الشام، وأصبحت أرى أننا ندرس التاريخ في مصر بنظرة وطنية ضيقة،

لقد درست التاريخ في الجامعة وقبلها في المدارس المصرية، ولم يكن لدينا وعي بلحظة سقوط العثمانيين،

أو الحرب العالمية الأولى وأثرها في البلاد العربية وفي تشكيل بلاد عربية،

والصراعات التي دارت بين الشريف حسين وبين ابن سعود، واتفاقية سايكس- بيكو أو وعد بلفور،

كأننا نقفز في دراسة التاريخ المصري من لحظة محمد علي إلى قصص الخديوي إسماعيل وافتتاح قناة السويس، ثم الثورة العُرابية،

ثم الاحتلال البريطاني لمصر، ونتوقف لدراسة شخصيات مثل مصطفى كامل ومحمد فريد والحركة الوطنية،

ولا نعرف شخصيات مثل شكيب أرسلان أو محمد رشيد رضا، ثم نتوقف طويلًا أمام ثورة 1919،

عند أسبابها ونتائجها وزعامة سعد زغلول، وأثر لحظة ثورة 19 في وجدان المصريين..

ولعل السبب أنه لم توجد معارك كبيرة في الحرب العالمية الأولى على أرض مصرية.

ومؤخرًا بدأ المؤرخون مثل “كايل جون أندرسون” دراسة فرقة العمال المصرية،

إذ يتتبع أندرسون قصة العمال المصريين الملحقين قسرًا بالقوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى، في جبهات امتدت من تركيا إلى فرنسا،

الذين زاد عددهم على 300 ألف، وانتهى الأمر بآلاف منهم قتلى في الحرب أو ضحايا تحت وطأة العمل القسري؛

ومؤخرًا صدر كتاب “الفيلق المصري” لمحمد أبو الغار، الذي يدرس حالة هؤلاء العمال.

والحقيقة أنني قضيت الفترة الماضية في أجواء هذه المرحلة التاريخية، من معارك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى،

حتى إنني نمت ذات مرة بعد قراءة مطولة في كتاب “سلام ما بعده سلام” لديفيد فرومكين،

وحلمت بضباط بريطانيين يتناقشون في مستقبل الشرق الأوسط، يقسمون البلاد العربية كأنها قطَع كعك،

وصوت همسات مسيو بيكو يصرخ بالفرنسية وهو يردد حقوق فرنسا في سوريا، ورأيت ضباطًا عربًا كانوا يقاتلون مع العثمانيين،

يتحولون للقتال ضد العثمانيين وبجانب البريطانيين، ورأيت صورة أنور باشا بجانب جمال باشا في القدس،

وهكذا عشت مع ثورة الشريف حسين ومغامرات لورنس العرب، والعالم الجديد الذي نتج عن الحرب.

الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط: لورنس العرب

ففي خريف عام 1918 هدأت ثورة الحرب العالمية الأولى، وفي صباح الأول من أكتوبر دخلت قوات الحلفاء إلى دمشق،

وسط صيحات الفرح والزغاريد الصاخبة، وكان من ضمن المحتفلين ضابط بريطاني شاب، هو توماس إدوارد لورنس، المعروف باسم لورنس العرب.

كان لورنس قد استهل حياته المهنية موظفًا في المكتب العربي بالقاهرة في مطالع عام 1915،

ثم أمسى هذا الشاب المستشار العسكري لفيصل، وكان لورنس يرتدي لباسًا عربيًّا كعادته،

وكما ذكر لاحقًا فإنهم قد “هتفوا باسمي وغمروني بالورود، وقبّلوني كثيرًا، ونثروا عليَّ عطر الورد من أسطح المنازل”.

كان سقوط دمشق تتويجًا للإنهاك الذي شعر به لورنس قرابة عامين، كابَد خلالهما قسوة الصحراء،

وفي ظُهر يوم دخول قوات الحلفاء إلى دمشق اجتمع فيصل والقائد البريطاني “ألنبي”، الذي قاد جيوش الحلفاء،

وقد أعجب “ألنبي” على الفور بفيصل، كما يحكي المؤلف،

وفي هذا الاجتماع علم فيصل بالخطط التي من شأنها إجهاض حلمه في تحقيق استقلال عربي،

كان “ألنبي” قد جاء بتعليمات من الحكومة البريطانية ليوضح لفيصل أن مستقبل سوريا يتطلب بالضرورة وجود انتداب فرنسي رسمي،

وهو الوضع الذي تعهَّدت به اتفاقية سايكس- بيكو، وبعدها قرر لورنس العودة إلى لندن:

“سأعود إلى الوطن، فقد أتممت عملي”، وغادر دمشق بلا عودة مساء اليوم التالي، تلقاء مصر، ومنها إلى إنجلترا.

توضح الكاتبة إليزابيث تومبسون تعليقها النقدي على هذه الفترة،

وكيف صوَّرها فيلم لورنس العرب الشهير: “هذا المحو لماضي سوريا الديمقراطي تكرَّر في مشاهد فيلم (لورنس العرب)،

فبعد دخول الجيش العربي إلى دمشق، يُظهر الفيلم كيف تستسلم دمشق للفوضى،

والعرب الذين يظهرون كلهم بملابس بدوية يبدون غير قادرين على تأسيس حكومة بسبب انقساماتهم العشائرية وجهلهم،

وهو ما يجعل الجيش البريطاني يتدخل لاستعادة النظام.. وعندما يقرر لورنس، الذي أُصيب بخيبة أمل، أن يغادر دمشق،

يقول له ضابط عربي قيادي (أدى دوره الممثل المعروف عمر الشريف) بلهجة اعتذارية:

سأبقى هنا لأتعلم السياسة، لقد جهدتم كثيرًا لتعطونا دمشق.. ولكن عمر الشريف يمثل هنا شخصية مثيرة للشفقة

باعتباره بدويًّا شبه أمِّي من الجزيرة العربية. وينتهي هذا الفيلم إلى تكريس الصورة الإمبريالية الزائفة للتاريخ،

التي تُظهر السوريين عاجزين عن حكم أنفسهم؛ والحقيقة أن دمشق كانت قد أصبحت موطنًا لسياسيين

حصلوا على شهادات عُليا، وعلى عسكريين اكتسبوا خبرة طويلة خلال الحكم العثماني”.

ثم تروي تومبسون في صفحات كتابها التالية ما حدث استنادًا إلى الوثائق والمذكرات،

وكيف جرت سرقة الديمقراطية من العرب في المملكة السورية.

أعرب لورنس بعد ذلك في كتابه “أعمدة الحكمة السبعة”، عن أسفه لرحيله المبكر عن الشرق الأوسط قائلًا:

“شعرت في الحال بالندم الشديد”، وشرع لورنس بعد ذلك بوقت قصير، معتقدًا أن العرب تعرضوا للخيانة في دمشق،

في محاولة طويلة الأمد لإقناع الحكومتين البريطانية والفرنسية

بأن فيصل لا بد أن يحتفظ بحكم الأرض التي قاتلت من أجلها قواتُه العربية لمصلحة الحلفاء،

وقد وصفه جويس بقوله: “كان لورنس يخوض معارك الملك فيصل السياسية بعد الحرب”،

وقد استمرت هذه الحملة إلى مارس عام 1921 في مؤتمر القاهرة.

يشرح الكتاب سياق تحالف العرب مع الحكومة البريطانية وسياق رسائل “الحسين ماكمان”

(وليس مكماهون كما استعمل عديد من الترجمات العربية ذلك الرسم للكلمة)..

لقد سقط العثمانيون في الحرب العالمية الأولى، وبريطانيا تواجه معضلات جديدة لإدارة تلك الأراضي والبلدان.

يميل كتاب مؤتمر القاهرة إلى الحديث عن سيرة لورنس العرب،

على خلاف الطريقة التي تبنّاها المؤرخ يوجين روغان في كتابه الممتع “سقوط العثمانيين”،

إذ حاول أن يخرج عن المركزية الأوروبية ويستمع إلى أصوات الجنود والقادة العثمانيين والعرب في الضفة الأخرى،

لكن “برادفوت” يقع في الفخ نفسه بالإعجاب بشخصية لورنس،

وهي شخصية طالما كُتب عنها الكثير، ولفتت أنظار المهتمين، باعتبارها رمزًا لمرحلة زمنية من تاريخ المنطقة.

لورنس العرب حصل على شهادة جامعية في التاريخ الحديث من كلية أكسفورد،

واعتنى في أطروحته الجامعية بتاريخ الحروب الصليبية في العصور الوسطى،

وأدى تعلُّقه الدؤوب بالمجال – كما يحكي الكاتب “برادفوت”- إلى القيام برحلتين، واحدة منهما إلى سوريا،

زار فيها القلاع التي شُيّدت أيام الحروب الصليبية، وكان لورنس يقطع بمفرده نحو ألف ميل سيرًا على قدميه من شمال سوريا إلى جنوبها،

وكان منذ يفاعته قارئًا نَهِمًا.

وقد شهدت السنوات المتعاقبة على هذه الأحداث تطور لورنس بوصفه عالم آثار بارعًا في المحل الأول، وعميلًا استخباراتيًّا بريطانيًّا مقتدرًا،

وتعلم لورنس العربية، وتعرف في ذلك الوقت على الرحالة “جيرترود بيل”، البالغة من العمر 43 عامًا،

وكانت حينئذ رحّالة صحراوية معروفة، وكانت بيل – مثل لورنس- قد تخرجت في جامعة أكسفورد،

إذ درست التاريخ الحديث، وكتبت بيل بعد لقاء لها مع لورنس عام 1911: “فتى مثير للاهتمام وسيصبح مغامرًا”،

وقد ارتبط اسماهما ارتباطًا دائمًا بوصفهما جزءًا من الطليعة السياسية والعسكرية البريطانية في تلك المنطقة زمن الحرب.

كان لورنس يؤمن بسقوط الأتراك والتحالف مع العرب، وينبهنا كتاب مؤتمر القاهرة إلى أن وزارة الحربية البريطانية، ابتداءً من عام 1914،

استفادت من خبرة لورنس المتزايدة في المنطقة ومن مهاراته اللغوية، فمن ذلك مثلًا قيامه في هذا العام برحلة خاصة لرسم الخرائط تحت رعاية “صندوق اكتشاف فلسطين”، وهو جمعية بريطانية لعبت دورًا في تزويد العسكريين البريطانيين بمعلومات جغرافية وتاريخية،

كما يخبرنا هامش المترجم في الكتاب، إذ زود الكتاب بهوامش مفيدة وثرية.

اجتاز لورنس ورفاقه شبه جزيرة سيناء الوعرة تحت ذريعة كونهم علماء آثار متجولين، وإن كانوا في حقيقة الأمر جواسيس بريطانيين،

يجتهدون في معرفة جغرافيا المنطقة على نحو مفصَّل، ولا سيما صحراء النقب المرعبة،

وقد جرى مسحها تنفيذًا لطلب وزير الحرب اللورد كيتشنر، وتحسبًا لأي حروب قادمة،

ثم انتهت أيام التنقيب التي وصفها لورنس بأنها أجمل أيام حياته، وانخرط في عمل المخابرات في القاهرة،

وأصدر نشرة عربية، مهمتها تقديم ملخصات للاستخبارات لشخصيات محدودة في الإدارة البريطانية..

زار لورنس الجزيرة العربية وتعرف على عبد الله بن الحسين وتحدث معه باللغة العربية،

وقيل إن الأمير الهاشمي في اجتماعه مع لورنس صاح غير مصدق: “هل هذا الرجل إله يعرف كل شيء؟”.

ورغم هذا الثناء انصرف لورنس في جدة غير راضٍ، وأعجب لورنس بفيصل،

وكتب لورنس لاحقًا في أعمدة الحكمة السبعة:

“كان هذا هو الرجل الذي أتيت إلى الجزيرة العربية باحثًا عنه”، وبدأ لورنس ينخرط في الثورة العربية بجانب فيصل بن الحسين.

قدرات لورنس على التحمل كانت كبيرة، وقد وصفها جون فيلبي، الذي قطع الجزيرة العربية،

بقوله: “لورنس شخص غريب الأطوار، متحمّل للجوع والعطش كالجمل، ومتحمّل للصعاب وللمشاق كالبغل،

فكان يلتذ عندما ينام مفترشًا الأرض متوسدًا الصخر ملتحفًا بعباءته محتضنًا عصاه؛ فلا يكترث بِحرٍّ أو برد أو جوع أو عطش،

وكنت لا أتمكن من مجاراته في هذه الحالات، عندما كنا نخرج معًا إلى البادية”.

يتتبع الكتاب نجاح ألنبي في الحصول على القدس،

التي تلقى الجنرال طلبًا من رئيس الوزراء “لويد جورج” أن تكون هي هدية عيد الميلاد للشعب البريطاني المتعطش للنصر،

وقال ألنبي: “أنشطة لورنس بين العرب تبشر بأمور عظيمة”.

وحدث التحول في عام 1917 عبر وعد بلفور، فقد كان نقطة تحول في التزام بريطانيا العلني مع الصهيونية العالمية،

وهكذا صدر وعد بلفور، الذي عدّه لورنس “خيانة” للعرب، بالإضافة إلى اتفاقية سايكس- بيكو، التي لم تَحسب حسابًا للعرب،

خصوصًا أن الإمبراطورية العثمانية سقطت وحلَّت محلها فجوة دبلوماسية كبيرة وعصية،

ومن المحقق أن لورنس بوجه خاص كان يدرك هذه الفجوة، وخرجت روسيا من اتفاقية سايكس- بيكو مع الثورة الروسية،

فقد جرى كشف الاتفاقية في عهد لينين وتعرضت للنقد، ورفض الاتحاد السوفييتي التزام أحكامها.

هكذا كان الانتصار الذي أحرزه “ألنبي” على العثمانيين وحلفائهم الألمان في فلسطين وسوريا ساحقًا، ومخالفًا للتوقعات،

فقد اجتُثت الإمبراطورية العثمانية من مكانها بعد عدة قرون، وقد كتب “ألنبي” إلى والدته بارتياح كبير:

“هكذا انتهت الحرب، اللهم إلا المشكلات الحتمية التي ستنشأ في أثناء ترتيب الدول والحدود”.

ويتميز كتاب مؤتمر القاهرة بالاستفادة من الرسائل الشخصية لأبطال تلك المرحلة في فهم دوافعهم،

ويذكر انطباعات الأشخاص عن الأحداث والسياسة في رسائلهم العائلية، ما يُضفي جوًّا من الذاتية،

ويجعلك تقترب من فهم هؤلاء الأشخاص لأدوارهم، وحكمهم على تلك المراحل.

لقد غضب لورنس من التخلي عن العرب، وعاد إلى لندن ليتحول إلى محامٍ للقضية العربية،

خصوصًا مع عداء لورنس للفرنسيين وأطماعهم في سوريا. وكان “ألنبي” قد أصبح حاكمًا على هذه المناطق،

لكن أُضيفت تعقيدات أخرى إلى الوضع المتوتر في الشرق الأوسط، الذي يُشرف عليه “ألنبي”،

منها الضغط المستمر الذي مارسه حاييم وايتسمان ورفاقه من الصهاينة على البريطانيين للوفاء بوعد بلفور؛

وقد اعترف “ألنبي” بأن إصرار الصهيونية سيترتب عليه حتمًا الاصطدام بنحو ستمائة ألف عربي يسكنون فلسطين،

وكان عدد السكان اليهود حينئذ ستة وستين ألفًا فقط.

في مؤتمر باريس لم ينجح فيصل في الحصول على ما وعده به الحلفاء،

حاولت الولايات المتحدة الحد من أطماع بريطانيا وفرنسا عبر حق تقرير المصير،

لكن النزعة الاستعمارية غلبت على عقلية بريطانيا وفرنسا، وتطورت الأمور في الشرق الأوسط عندما حدثت ثورة في العراق،

ردًّا على قرار مؤتمر “سان ريمو” بمنح بريطانيا تفويضًا لحكم العراق.

اندلعت الثورة العراقية في مايو/ أيار 1920، واضطرت بريطانيا إلى إشراك مئة ألف مجند لقمع التمرد،

وعُزّز هذا العدد الكبير – بناء على طلب ونستون تشرشل، وزير الحرب آنذاك- بما يعادل فرقة مشاة نُقلت من إيران،

كما عُزّز أيضًا بنشر سِربَين من سلاح الجو الملكي، وبلغت خسائر العراقيين نحو عشرة أضعاف ما خسره البريطانيون،

وعندما أُخمدت الثورة في أكتوبر/ تشرين الأول 1920، كان البريطانيون قد خسروا ألف رجل، إضافة إلى 1800 جريح..

بيد أن العراقيين عانوا أكثر من ذلك بكثير، إذ قُتل منهم ما بين ستة آلاف وعشرة آلاف رجل، بالإضافة إلى عدد مماثل من الجرحى.

لقد بلغ العنف الاستعماري درجة عالية من القسوة والبطش، لدرجة جعلت بعض البريطانيين يراجعون أنفسهم،

وتصاعد إحباط تشرشل من استمرار الثورة بسبب التكلفة الباهظة التي يدفعها البريطانيون من دمائهم وأموالهم في ظل انتدابهم على العراق

.. لكن، كيف يقلّل تشرشل ميزانية العراق، ويحل مشكلة فلسطين، ويقرر في موضوع شرق الأردن،

ويهدّئ من فوران الشارع في العراق، ويوفق بين بريطانيا وفرنسا في تقسيم المنطقة؟.

 

المراجعات

لا توجد مراجعات حتى الآن.

كن أول من يراجع “القاهرة 1921.. قصة الأيام العشرة التي شكَّلت الشرق الأوسط”

لن يُنشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلَّمة.

كتب أخري ذات صلة